القائمة الرئيسية

الصفحات

الإيمان من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة












السعادة لا تكمن في وفرة المال، ولا في السلطة، ولا في عدد الأولاد، ولا في تحقيق المنافع الشخصية، ولا حتى في التفوق المادي. السعادة هي شيء يشعر به الإنسان في أعماقه: إنها نقاء النفس، وهدوء القلب، وراحة الضمير.


كما قال الدكتور يوسف القرضاوي، السعادة تنبع من الداخل، ولا يمكن استيرادها من الخارج. إذا كانت السعادة شجرة، فجذورها تنمو في النفس البشرية وقلب الإنسان. الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو الماء والغذاء والهواء الذي تحتاجها هذه الشجرة.


أديب مصر مصطفى لطفي المنفلوطي قال: "السعادة في الدنيا تكمن في ضمير نقي ونفس هادئة وقلب شريف."


قيل أنه في يوم غضب زوج زوجته وتوعدها بأنه سيجعلها تعاني. ردت الزوجة بسكون: "لا تستطيع أن تجعلني أعيش بشقاء، تمامًا كما لا تمكنك أن تجعلني سعيدة. السعادة بالنسبة لي ليست في الأموال أو الزينة والحلي، إنها في شيء ليس لديك أو لأي شخص آخر!" فاستفسر الزوج بدهشة: "فما هو؟" أجابت الزوجة بيقين: "إن سعادتي تكمن في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي ليس لأحد سوى الله."


كما يقول الدكتور أحمد أمين، الإيمان بالله هو من أهم مصادر السعادة ومنابعها. وأكبر سبب لشقاء الأسر هو وجود أفراد لا يتبعون سُبل الله في تصرفاتهم، بل يتبعون هواهم وملذاتهم. عندما يزدهر الدين في الأسرة، يزدهر السعادة أيضًا.


الدكتور كامل يعقوب يقول: "أجد أن الناس الذين يتمتعون بسكينة النفس هم الأكثر سعادة، وأكثرهم ارتباطًا بالدين."


الإيمان بالله وسكينة النفس هما العاملان الأساسيان للسعادة. الإيمان بأن الله هو القادر الوحيد على توجيه مصيرنا يمنحنا الطمأنينة، وسكينة النفس تجعلنا نعيش بسلام في واقع اليوم دون تحسر على الماضي أو قلق من المستقبل.


فلنتذكر دائمًا أن السعادة لا تأتي من الأمور المادية فقط، بل تنبع من داخلنا ومن إيماننا بالله وقبولنا لقضائه وقدره.


السعادة تكمن في الرضا، والرضا هو درجة أعلى من الصبر، يمكن أن يصل إليها فقط من يتمتع بإيمان كامل وصبر جميل. الشخص الراضي يعيش بسعادة ورضا مهما كانت ظروفه، سواء كان ذلك بسبب مرض أو فقر أو محنة، لأنه يعلم أن كل ما يحدث هو بمشيئة الله تعالى. حتى في الظروف الصعبة قد يجد الإنسان نعمة مخفية أنعم الله بها عليه. هذا يظهر في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "وأسألك الرضا بالقضاء."


وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا: "لأحدهم أشد فرحًا بالبلاء من أحدكم بالعطاء."


قد نجد قصصاً تاريخية تثبت أهمية الرضا. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان كافر البصر، ولكنه كان دائماً راضيًا بقدر الله. حينما قال له أحدهم: "لو دعوت لنفسك برؤية مرة أخرى ستعافي." أجاب: "رضاي بقضاء الله أفضل من البصر."


الأشخاص الذين يشكون ويتذمرون دائمًا لن يجدوا سعادة حقيقية في حياتهم. بينما الإنسان المؤمن والراضي يجد السعادة حتى في أصعب اللحظات. يثق بتدبير الله ويناجيه بقوله: "بيدك الخير إنك على كل شيء قدير."


القناعة والورع هما أيضاً مفاتيح السعادة. الشخص الراضي بما لديه هو الأكثر سعادة، ليس السعيد من يحصل على كل ما يرغب فيه. حكماء السابق كانوا يقولون: "إذا طلبت الغنى، فاطلبه بالقناعة، فإنه إذا لم تكن راضياً، فالثروة لن تكون كافية."


قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا."


وأخيرًا، تُظهر قصص مثل حاتم الأصم وعمر بن عبد العزيز أهمية الرضا والقناعة. حاتم الأصم قدم الكثير للناس ولم يطلب الكثير لنفسه، وعندما فقد بصره كان راضياً عن مصيره. عمر بن عبد العزيز كان يبحث دائما عن الأفضل وكان دائما راضياً بما كان لديه، وكان يؤمن أن الجنة هي هدفه الأعظم.

لسعادة تكمن في اجتناب المحرمات. المؤمن يشعر بالسعادة عندما يتجنب ما حرمه الله تعالى ويحافظ على الأخلاق الصالحة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلَاوَتَهَا."


عندما تشعر برغبة في الخطيئة، قد تكون وسيلة للتذكير بالله وتجنبها. إذا لم تتراجع، فقد يكون تذكيرك بأخلاق الرجال والأشخاص الصالحين هو مفتاح لتجنب الخطيئة.


المعاصي تتسبب في فقدان النعم وإزالة البركة. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "مَا نُزِلَ بَلَاءٌ إِلاَّ بِذَنْبٍ، وَلاَ رُفِعَ إِلاَّ بِتَوْبَةٍ."


السعادة تأتي للشخص الذي يتحكم في هواه ويمنع شهواته من السيطرة عليه. قد يسمى ذلك الشخص عاقلاً ومالكاً لهواه، وسيعيش حياة سعيدة وناجحة. فهو يدرك أن الرضا والسعادة تأتي من خلال الامتناع عن المحرمات.


يُظهر الشكر للنعم التي وهبها الله لنا أيضاً بوجه آخر من وجوه السعادة. قد يركز الكثيرون على الثروة وينسون نعم الصحة والعائلة والعقل والأصدقاء. السعادة تكمن في القدرة على رؤية وشكر الله على هذه النعم.


فلنكن ممتنين ونقدر نعم الله علينا. عندما نشعر بالرغبة في الشكوى، دعونا نتذكر الأمور الإيجابية التي نمتلكها. قد يكون ذلك هو سر السعادة الحقيقية.



تعليقات